سياسية..اجتماعية..متنوعة

2010/12/22

هجرة الشباب العراقيين .. كيف تصل إلى أوربا!


مقال أعجبني:

عبد الرحمن العبيدي
"لماذا نعامل هكذا، هل لأننا عراقيون؟"... بمثل هذه الكلمات الموجعة، تحدّث عراقيون وهم ينتظرون في صالة مطار اسطنبول قرابة الأربع ساعات لمنحهم تأشيرة دخول إلى البلد، وكنت واحدة منهم... بعدما أصبحت الهجرة والهرب من جحيم العراق مطلب أغلب شباب العراق اليوم، نتيجة الاحتلال الأميركي وسوء الأوضاع الأمنية والبطالة وعوامل عديدة تزدحم في رحم المجتمع المنهك منذ سنوات، ما جعل الفرد العراقي يخوض تجربة "الهرب إلى المجهول"، وإلى "المخيف" في أغلب الأحيان.  
أراد مهنّد من تركيا أن تصبح معبراً له، إلى إحدى الدول الأوروبية بواسطة أحد "مهرّبي البشر" لقاء مبلغ من المال يعتبر كبيراً: "ما أن هبطت الطائرة على أرض المطار حتى بدأت المشاكل تواجهني، ومعها المعاناة: التأكد من الاسم، وسلامة الجواز، ثم التفتيش الذي يبدأ بخلع المعاطف والأحزمة وحتى الأحذية ووضعها في صندوق خاص". ويضيف مهند وهو ينفث دخان سيجارته: "يستلم رجل الأمن الجواز، ويتم جمع الجوازات العراقية ونقلها إلى جهة لا نعلم بها في المطار. قد يطول الانتظار يوماً كاملاً، نرى خلاله عديد المسافرين يأتي ويخرج من المطار بسرعة باستثناء العراقيين. فنحن نفترش أرض المطار أو مدرجاته بانتظار إطلاق سراح الجوازات". وبتهكمٍ، يكمل: "عملية تسليم الجوازات خاصة أيضاً بالعراقيين، إذ تحتشد الجموع حول الضابط الذي يحمل الجوازات وينادي على أصحاب الجوازات، على مراحل".  
هل هناك ما يستأهل هذه البهدلة؟ يجيب مهنّد: "لقد أتعبتنا الحياة منذ كنا صغاراً. أريد أن أعيش بسلام ولو لسنوات قليلة. أريد أن أنهي دراستي في تخصصي في العلوم الحسابية. حتى العمل بات حكراً على فئات معينة، إن وجد، وحتى إن أردت العمل في الشركات الأهلية والقطاع الخاص فإن أغلبهم يعمل مع الأميركان! وما أن تعرف المجموعات المسلحة بك تعمل معهم حتى يتم تهديدك وهو أمر حصل لي. ذلك كله جعلني أفكّر بالهجرة، وبتشجيع من الأهل".  
لكن، كيف تصل إلى السويد، يا مهنّد؟ "لقد اتفقت منذ أن كنت في بغداد مع أحد المهربين حول كافة تفاصيل العملية. فتكون تركيا نقطة الانطلاق إلى اليونان ومن ثم السويد. لا أخفيك سراً، الأمر خطير. ففي رحلتي الأولى، وبسبب جهلي واندفاعي، اتفقت عند وصولي إلى تركيا مع أحد المهربين، فأخذني مع مجموعة من العراقيين في شاحنات مغلقة وأنزلنا في غابة قالوا لنا "اقطعوها وتصلون إلى اليونان". وبعد مسيرة أيام، تخللتها معاناة كبيرة ونقص في المياه والأكل، تبين لنا عند الوصول إلى نقطة تفتيش أننا لا نزال في الأراضي التركية، وانتهت الرحلة التي كلفتني أكثر من ٥٠٠٠ دولار أميركي. هذه المرة، اتخذت قراري بالوصول مهما كلفني الأمر، وأنا واثق من بلوغ هدفي خاصة أن المهرّب طلب مني مبلغاً يتجاوز ١٥ ألف دولار، فيضمن لي الوصول إلى السويد، شرط ألا أدفع المبلغ المتفق عليه إلا بعد الوصول".  
جرّبت نغم محسن الهجرة غير الشرعية ثلاث مرات حتى يومنا هذا، وفشلت في بلوغ أوروبا. دفعت لمهرّبي البشر أكثر من ١٥ ألف دولار أميركي. في محاولتها الأولى، كانت برفقتها والدتها التي استطاعت لاحقاً العبور إلى أحد البلدان الأوربية وتقدمت بطلب اللجوء هناك. وفي محاولتها الثانية التي نفّذتها من أحد البلدان المجاورة للعراق، اكتشف أحد موظفي الخطوط الجوية أوراقها المزورة وأعادها إلى العراق. وكانت سوريا هي البلد الوحيد الذي استقبلنا برحابة صدر في بداية أزمة العراق، وافتتحت صالون الحلاقة. ولكن، بعد ثلاث سنوات، بدأت المعاناة إذ أصيب أخي بحادث في أثناء عمله في سوريا، ما أدى إلى عدم دفع تعويض لأخي كونه لا يملك بطاقة الإقامة، فقررنا ترك سوريا تباعاً والهجرة إلى هولندا. والدتي الآن تعيش في (الكامب) مخيمات المهاجرين ـ وأخي في السويد، وأنا في سوريا أحاول أن انهي جميع متعلقاتي والعودة إلى بغداد لخوض رحلة الهجرة من هناك".  
أما رند فوصلت إلى السويد. وتصف الحياة في السويد بأنها "مترفة"، لكن "لا حياة" للكثير من المهاجرين لجملة أسباب تلخّص أبرزها بالقول إن "ثقافتهم وتنشئتهم تختلف عن التنشئة الأوروبية ما لا يمكنهم التأقلم معه بسهولة، كما أن نظام الحياة في السويد منظّم وعلى درجة عالية من القانونية بحيث يعيق اندماج الكثير من المهاجرين".  
وحول الإجراءات المتبعة من قبل الحكومة السويدية، تقول رند: "الحكومة السويدية بدأت تصعب الأمور أمام المهاجرين بشكل عام، والعراقيين بشكل خاص بسبب تزايد أعدادهم. ومؤخراً، لتقليل عدد المهاجرين إليها، اتخذت الحكومة السويدية قرارات منها اعتبار مطار بغداد الدولي مطاراً آمناً لإعادة العراقيين الأكراد الذين لا إقامة لهم، ويقدر عددهم بحوالى ١٤٠٠ لاجئ".  
اما عن الدول العربية كمقصد هجرة عراقية فالإجراءات باتت معروفة... والنازحون العراقيون إلى مصر مثلاً يواجهون أكثر من مشكلة على مستوى العيش والإقامة... وانعدام فرص العمل.  
وبعدما فتحت كل من سوريا والأردن الأبواب أمام المهاجرين العراقيين، عادتا لتقفلا بواباتهما تقريباً في وجه العراقيين بعدما استوعب الأردن أصحاب القدرات المالية منهم ووظفوها في مشاريع اقتصادية داخل عمّان، في حين حظيت سوريا بالفقراء وقد بات التعامل معهم يقوم على اعتبار أنهم يمثلون عبئاً على الاقتصاد السوري.  
أما الدول التي خلقت أزمة العراق الحالية والتي تعتبر مسؤولة بشكل مباشر عن المآسي والهجرة (أميركا وبريطانيا) فتبدو الأكثر تشدداً في منح العراقيين ليس فقط حق اللجوء الإنساني إلى أراضيها، بل تأشيرة الدخول حتى، معتمدة أسلوباً انتقائياً. إذ سمحت كل من دولتي الاحتلال لمن عملوا معهما أو تعاونوا باللجوء إلى أراضيهما بعدما أصبحوا هدفاً للمقاومة العراقية.  
فيبقى تطلع المهاجرين العراقيين إلى السويد وكندا وهولندا حيث توجد اليوم جالية عراقية كبيرة تمتد أصولها إلى تسعينيات وثمانينيات وسبعينيات القرن الماضي.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق