سياسية..اجتماعية..متنوعة

2011/04/17

خبر عاجل : فنلندا على صفيح ساخن!!!

خبر عاجل : فنلندا على صفيح ساخن

محمد كرم
Thursday, April 14, 2011
تفيد آخر التقارير الصحفية الواردة من فنلندا أن هذا البلد الاسكندنافي القصي يعيش اليوم حالة غليان شعبي غير مسبوق، إذ تقاطرت منذ الصباح الباكر أمواج بشرية هائلة على أكبر ساحة بوسط العاصمة هلسنكي و شرعت في ترديد شعارات نارية تطالب أقطاب النظام القائم بالرحيل الفوري و تدعو إلى تبني إصلاحات دستورية  و حقوقية عميقة و تحث على رد الاعتبار لكرامة المواطنين المهدورة.
و قال شهود عيان بأن رجال قوات مكافحة الشغب قد تدخلوا بعنف لفض الاعتصام الأمر الذي أسفر عن سقوط قتلى و جرحى بالعشرات و اعتقال عدد غير محدد من المتظاهرين و أشعل فتيل الغضب بمناطق أخرى  و خاصة بمدن توركو و إيسبو و فانطا. هذا و قد كان من نتائج البطش الأمني أيضا نزوح عشرات الآلاف من المواطنين إلى
البلدان المجاورة خاصة عندما استجاب الجيش بدوره لأوامر الطغمة الحاكمة  فانخرط في لعبة الكر و الفر مع المحتجين، بل إن بعض أفراده لم يترددوا في تنفيذ سياسة الأرض المحروقة.
و ذكرت المحطة الإذاعية الرسمية أنه فور اندلاع أحداث الشغب و النهب  الذي طال أيضا أهم متحف بالعاصمة تم إعلان حظر التجول بكل المدن الكبرى و أن قائد البلاد و مستشاره في الأمن القومي منكبان حاليا على دراسة إمكانية إعلان حالة الطوارئ بالجمهورية لفرض هيبة الدولة و وقف مسلسل الانفلات الأمني و تجنيب الأمة الدخول في حرب أهلية مدمرة قد يطول أمدها بسبب الصراعات السياسية و التشنجات الجهوية و الحزازات العرقية و القبلية و الدينية و اللغوية المتفشية بالبلاد.
و قد علمنا قبل قليل كذلك أن طائرة صغيرة خاصة شوهدت و هي تقلع من مطار عسكري صغير يوجد على مرمى حجر من القصر الرئاسي و على متنها زوجة الرئيس و أبناؤه و جزء من أصهاره و عشرات الصناديق والحقائب المتنوعة الألوان و الأحجام، هذا في الوقت الذي أعلن فيه الناطق الرسمي باسم الحكومة بأن الزعيم ثابت في الحكم و عازم على الموت فوق كرسي مكتبه و بأنه سيحبط كل المؤامرات الخارجية الرامية إلى النيل من استقرار بلاده  و طمأنينة شعبه.
و في تطور ذي صلة، قامت كل من الدانمارك و السويد و النرويج برفع درجة التأهب الأمني إلى أعلى مستوى درءا لانتقال عدوى غضب الشعوب إلى أراضيها و احتراق مجموع المنطقة بنارها، كما قامت روسيا بإغلاق مقطع مهم من حدودها البرية مع فنلندا للتحكم في عملية استقبال النازحين في انتظار بت مجلس الأمن الدولي في الموضوع  و وصول المساعدات الإنسانية  و دخول وكالة غوث اللاجئين  و منظمة الصليب الأحمر الدولي على  الخط في ظل طقس متقلب تطبعه البرودة و الأمطار مع استمرار نزول الثلوج بشكل متقطع.
هل صدقت هذا الكلام عزيزي القارئ؟
لا شك أنك أصبت بالذهول و أنت تمسح بعينيك مضمون هذا الخبر. لا شك أن ذكاءك رفض منذ السطور الأولى أن يأخذ هذه القصاصة الصحفية مأخذ الجد. لم لا و الجميع يعلم بأن الأمر يتعلق هنا بدولة من المستحيل أن تعصف بها رياح التغيير التي تهب قوية هذه الأيام على عالمنا العربي المثقل بالتناقضات الصارخة و المتخم بالأمراض
و العاهات و العقد المستديمة؟ لم لا و نحن هنا بصدد الحديث عن دولة محترمة بكل المقاييس، و لو لم يكن الأمر كذلك ما كانت لتتربع على رأس لائحة أفضل بلدان المعمورة من حيث جودة الحياة.
دولة تعي تمام الوعي بأن العدل هو أساس الحكم و بأن العدالة الاجتماعية هي أساس التناغم و التضامن الاجتماعيين.
دولة المسؤولية فيها تكليف و ليست ذريعة للاستقواء و الاستهتار.
دولة المسؤولية فيها تفني الجسد بسرعة لأنها مقرونة بالمحاسبة و العقاب.
دولة لا وجود فيها لدكتاتورية النزوات الشخصية ولا تعترف إلا بدكتاتورية القانون و المؤسسات.
دولة لا تقضي بياض نهارها و سواد ليلها في تلميع واجهتها مع تجاهل عمقها و جلد ذاتها.
دولة لا يتدخل فيها الحلاق في شؤون القاضي و لا يحشر فيها الطيار أنفه في مطبخ الطباخ.
دولة أصوات الناخبين فيها محرار يعكس بأمانة حالة الجو السياسي بالبلاد.
دولة صناديق الاقتراع فيها غير مبرمجة على 99 بالمائة مهما بلغت درجة الإجماع  الشعبي حول شخص ما أو مشروع بعينه.
دولة مبدأ تكافؤ الفرص فيها لا يتجسد بمدارس البعثات الثقافية الأجنبية بل يتجسد بالمدارس الوطنية  من خلال منظومة تربوية موحدة يخضع لها الجميع من دون تمييز.
دولة لا يحتاج فيها أقطاب السياسة و السلطة إلى حماية الحراس الشخصيين الذين تكاد تكون خدماتهم حكرا على نجوم الفن و الرياضة.
دولة لا تفرط إطلاقا في هويتها الرسمية الموروثة إيمانا منها بأن الحياة ليست معادلة اقتصادية و حسب و إدراكا منها بأن التقدم لا يتحقق بالجري وراء الأقوياء بسيقان عليلة و أرجل حافية.
دولة أدركت منذ حقبة بعيدة بأن بناء الإنسان يسبق دائما بناء الجدران.
دولة لا تستهتر بالمال العام اقتناعا منها بأن الإنفاق على التوافه قد يعادل العدول عن خلق منصب شغل أو بناء قاعة دراسية أو عربة سككية أو جسر صغير أو متوسط أو عملاق حسب حجم المبلغ المستباح.
دولة تمنع تشريعاتها من أن يتحول النجاح الاقتصادي الشخصي مع ما يتبعه من استغناء و نجومية إلى مطية للاستعلاء و الاستحواذ على الثروة و شراء الذمم و سحق المستضعفين و الالتفاف حول القوانين.
دولة معيار النجاح الاجتماعي و المهني فيها هو التفوق و ليس الاسم العائلي المدون على كناش الحالة المدنية أو مبدأ "باك صاحبي" أو "موك صاحبتي".
دولة مصادقتك فيها للنافذين أو مرافقتهم أو مصاهرتهم لا تؤدي بالضرورة إلى مراكمة الامتيازات بقد ر ما قد تعبد لك و لهم الطريق نحو ما يشبه "الزاكي" أو "العادر" أو "عكاشة".
دولة لا تعرف للمسكنات طريقا و تعي جيدا أنه حيث يتوقف مفعول الدواء يصبح لزاما الالتجاء إلى مبضع الجراح.
دولة مسلحة بالواقعية و تعلم جيدا أن ما يحدد قيمة أية أمة هو نسبة النمو الاقتصادي بها و درجة اهتمامها بالعنصر البشري  و مستوى استقرارها و استقلالها و إشعاعها العلمي و الثقافي و ليس فقط عدد المرات التي وصل فيها منتخبها الوطني إلى نهائيات مونديال كرة القدم.
دولة الحكامة الجيدة بها ليست شعارا يؤثت الأدبيات الحزبية و الرسمية أو تيمة تتمحور حولها السجالات التي تسبق الاستحقاقات الانتخابية أو لازمة تلازم الخطابات السياسية المناسباتية بل هي واقع يلمس المواطن تجلياته في كل القطاعات بدون استثناء.
دولة لا وجود فيها لرخص الاستغلال الاستثنائية، و لا مكان فيها للموظفين الأشباح، و ما يحدد راتبك هو حجم الوقت الذي أنفقته فعليا في الإنتاج في حدود المهام الموكولة إليك.
دولة تكمن حجة وجودها في خدماتها الاجتماعية أيضا و ليس فقط في مسدسات و هراوات شرطتها و قنابل و مدافع جيشها.
دولة قد يتظاهر فيها الناس بالشارع العام من وقت لآخر لكن ليس بهدف المطالبة بقلب المؤسسات بل فقط من أجل الضغط على الحكومة لحملها على اعتماد أو إلغاء أو تصحيح جزئية من جزئيات الحياة اليومية العديدة و المتنوعة.
دولة ...
دولة ...
دولة قد تلتجئ في فترات متباعدة إلى إدخال بعض التعديلات الطفيفة على دستورها لكن لا شيء يجبرها على تغيير لبه بما أنه  وضع  و منذ مدة طويلة على سكة صحيحة.
هذه هي فنلندا، و ما يسري عليها ينطبق أيضا على باقي أعضاء نادي كبار هذا الزمن الخالي من العرب و أمثالهم من الأمم البائسة.
الأمر إذن لا يعدو أن يكون كذبة سخيفة من أكاذيب أبريل الاستفزازية.
فعذرا عزيزي القارئ، و إلى اللقاء من خلال مقال آخر أكثر جدية

عن موقع
http://www.hespress.com

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق