سياسية..اجتماعية..متنوعة

2011/01/31

التغيير القادم..ربما في العراق

هذه ليست بالمزحة,فالعراق حالياً يرزح تحت أحتلال داخلي و الأحزاب الحاكمة حسب رأي الكثير من العراقيين لا تمثلهم,و هنا مقال عن هذا الموضوع المهم:

العراق على طريق الديكتاتورية من جديد.. ..؛
بقلم: علي ألأسدي

" إن قعر جهنم محجوز لأولئك الذين يقفون على الحياد ، عندما تكون القيم الانسانية مهددة بالخطر " الشاعر الايطالي " دانتي أليجيري "

في الوقت الذي تنتفض فيه شعوب تونس والجزائر ومصر واليمن ضد الديكتاتورية والفساد ، مطالبة حكوماتها باحترام الحقوق الديمقراطية ، وتحقيق العدالة في توزيع الثروات والدخل ، ومعالجة جادة للوضع الاقتصادي السيئ ، يخيم على الشعب العراقي الخمول واليأس من حكومة خيبت أماله في تغيير حياته وتأمين مستقبل آمن وواعد لأبنائه. لم يرغب العراقيون في الخروج الى الشوارع لاجبار الحكومة على الاستجابة لمطالبه في توفير فرص العمل ، ومكافحة الفقر ، وتطوير الخدمات ، بل اختاروا التوجه بدلا عن ذلك الى قبور أئمتهم وأوليائهم لتقوم هي نيابة عنهم باصلاح أحوالهم ، وعقاب منتهكي حقوقهم ، وسفاكي دمائهم ، وسراق قوت يومهم. سلوك كهذا لم يسجل له مثيلا ربما منذ الثورة الفرنسية في 1793، فكما ورد في كتب التاريخ حتى العبيد ثاروا على مستعبديهم ، صمت شعبنا شديد الغرابة ، لكنه ليس دليلا على الرضا أو الخنوع ، الطبيعة العراقية تواقة دائما للحرية والتمرد على الظلم.

الحكومة العراقية على ما يبدو سعيدة كل السعادة بتصرف جماهير شعبها ، وقد استجابت بطيبة خاطر لخيار الجماهير ، وليس هذا فحسب ، بل وفرت للجماهير الدعم اللازم للتواصل مع قبور أولئك القديسين ، وهو ما لم تقم به أية حكومة متخلفة عبر التاريخ. وبناء على هذا ، وبعيدا عن هموم الشعب التي تكفلت بالتعامل معها أرواح القديسين ، يتفرغ رئيس الوزراء لمتابعة أولوياته السياسية والتنظيمية التي يخصص جل وقته وهمه نحوها ، وهي إحكام قبضته على مراكز صنع القرار في السلطة التنفيذية التي يتربع على قمتها ، وتوطيد علاقاته مع السلطة القضائية لتأمين استقلاله في اتخاذ أهم القرارات السياسية دون الرجوع للمجلس النيابي لاستحصال موافقته عليها. وكانت أولى خطواته لتحقيق هذا الهدف هو تحويل المحكمة الاتحادية العليا الى أداة طيعة يحركها كيفما يشاء ، لاضفاء الشرعية على الاجراءات والتغييرات التي يتطلبها تعزيز نهجه الفردي في الحكم.

ففي 18 ديسمبر/ كانون أول الماضي وقبل أن يكلف بتشكيل الحكومة الجديدة ، وبعد أن ضمن الدعم الأمريكي له بولاية ثانية ، اصدرت المحكمة الاتحادية العليا قرارا بناء على طلبه الشخصي ، يضع الهيئات المستقلة المنصوص عليها في الدستورالعراقي تحت الاشراف المباشر لسلطته. وينصرف قرار المحكمة الاتحادية العليا الى كل من المفوضية المستقلة للانتخابات والمفوضية العليا لحقوق الانسان وهيئة النزاهة ، والبنك المركزي ، وديوان الرقابة المالية ، وهيئة الاعلام والاتصالات. علما أن أن رئيس الوزراء يحاول جاهدا منذ تكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة وضع وزارة الدفاع ، ووزارة الداخلية ، ورئاسة المخابرات ، ووزارة الأمن ، وقيادة عمليات بغداد تحت سلطته المباشرة ، إما بادارتها مباشرة من قبله ، أو عبر تعيين ممثلين له على رأسها ممن يوليهم ثقته الكاملة. والأكثر اثارة للقلق والشكوك تمهيده الطريق من الآن لوضع ثروات وموارد العراق النفطية التي ستتضاعف في السنين القادمة تحت اشرافه المباشر، فقد استحدث منصبا جديدا في أمانة مجلس الوزراء ، يختص بشئون النفط والغاز في البلاد ، وقد عين بالفعل الدكتور حسين الشهرستاني المقرب له شخصيا مسئولا عن تلك الشئون. ومن المتوقع أن تناط بالأمانة العامة مهمة التوقيع على العقود النفطية المستقبلية مع الشركات الأجنبية لاستثمار النفط والغاز، وهي العقود التي لم يعلن عن تفاصيلها في السابق ، ولن يعلن عن محتوياتها مستقبلا أيضا ، لوجود بنود مخلة بحقوق العراق في ثرواته. وأن حصر توقيع تلك العقود بالأمانة العامة لمجلس الوزراء ، يحرم مجلس النواب من الاطلاع عليها ، ويتم بناء على ذلك منحها الصفة القطعية دون الحاجة لعرضها عليه للمناقشة وأخذ موافقته.

ولعل القارئ العزيز على علم بأن استثناء هذه الهيئات والمؤسسات ذات الشخصية الاعتبارية من سيطرة ونفوذ السلطة التنفيذية لم يكن دون معنى ، فقد كان هدف المشرع من ذلك واضحا ، هو منع حصول تعارض بين المصالح التي تمثلها تلك الهيئات وبين مصالح رئيس السلطة التنفيذية بصرف النظر عمن هو رئيسها. ولهذا السبب جاء النص الدستوري واضحا بشأن استقلالية هذه الهيئات. فالفصل الرابع من دستور جمهورية العراق لسنة 2005 ، عدّ في المادة 102 كلا من المفوضية العليا لحقوق الانسان، والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات ، وهيئة النزاهة ، كهيئات مستقلة تخضع في عملها لرقابة مجلس النواب وتنظم أعمالها بقانون ". وللأهمية ، واعترافا باستقلالية تلك الهيئات ، عبرت صحيفة الواشنطن بوست الأمريكية يوم 27 كانون الثاني الجاري عن المخاطر التي ستتعرض لها تلك الهيئات في حالة تنفيذ قرار المحكمة الاتحادية العليا المشار اليه الذي استصدره رئيس الوزراء. حيث ذكرت الصحيفة ما يلي:

" إن أهم ما في القرار " تأثيره على المفوضية المستقلة للانتخابات" التي تم الوثوق بها في تسيير ثلاث انتخابات ديمقراطية وطنية في العراق، والتي على الرغم من وجود عدة عيوب فيها، فانها ووفقا لما قررته الأمم المتحدة يجب ان تظل خالية من التدخلات السياسية. وسيُطبق قرارالمحكمة الاتحادية على البنك المركزي العراقي الذي يسيطر على العائدات المالية العراقية ، وعلى ديوان الرقابة المالية الذي يدقق في التمويلات الحكومية. كما ويرمي القرار ايضا الى السيطرة على هيئة الاعلام والاتصالات التي تتولى تنظيم الصحافة ، وعلى هيئة النزاهة التي تراقب الفساد الاداري والمالي في الدولة". ونقلت الصحيفة عن الخبير النرويجي بالشأن العراقي رايدر فايسر قوله : "ان المالكي في طريقه لمواجهة مشكلة من نوع ما ، يمكن ان تكون مقامرة متطرفة جدا وفي وقت مبكر جدا". وتنهي الصحيفة تقريرها بالقول : " ان الغضب المتصاعد " يظهر ان المالكي سيجد من الصعوبة فرض ارادته قياسا بولايته الاولى ، عندما اندلعت الحرب الطائفية وكان التمرد اكثر فاعلية ، وفي ذلك الحين توحدت صفوف الشيعة وصفوف السنة".

لقد أبدت مختلف الشخصيات والقوى السياسية العراقية ردود فعل غاضبة على القرار الذي أصدرته المحكمة العليا. فقد اعتبرته الكتلة العراقية على لسان ممثلها حيدر الملا " انقلابا على الديمقراطية " ،فيما وصفه قاسم العبودي من المفوضية المستقلة للانتخابات قائلا : " انا لا استطيع ان أتخيل ان تكون هناك انتخابات جيدة في العراق مستقبلا اذا صمد هذا القرار، فالحكومة ستتدخل في التفاصيل الصغيرة. ". ووصفها المحلل السياسي المستقل ابراهيم الصميدعي بقوله : " هذا اكثر القرارات التي رأيناها منذ عام 2003 خطورة. انه سيكون نهاية الديمقراطية في العراق." بينما وصف يحي الكبيسي الباحث المقيم في عمان من المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية قرار المحكمة بأنه "خطأ لا يغتفر" وقال ان ما جرى هو محاولة واضحة من المالكي لاحتكار السلطة."

البنك المركزي من جانبه ، دعا المحكمة الاتحادية إلى إصدار قرار تفسيري ثان يوضح قرارها الأول القاضي بربط الهيئات المستقلة برئاسة الوزراء وليس برئاسة البرلمان ، محذرا من مخاطر كثيرة ستتعرض لها البلاد في حال ترك القرار من دون تفسير. وأضاف ان "ترك القرار من دون توضيح، سيعرضنا لمشاكل ومخاطر كثيرة تكمن في خلط أموال الحكومة مع أموال البنك المركزي لتكون ذريعة للدائنين والمحاكم الخارجية ، لاسيما أننا في مرحلة تطبيق قرار مجلس الأمن رقم 1956 الصادر منتصف كانون الأول الماضي ، بصدد رفع الحصانة عن أموال العراق نهاية شهر يونيو / حزيران القادم".

وكان علي الموسوي المستشار الاعلامي للسيد المالكي قد دافع عن قرار المحكمة الاتحادية ، معتبرا الانتقادات الموجهة للقرار محاولة لتشويه صورة الحكومة ، وتقويض جهودها لأن تصبح حكومة قوية. وينقل عن المالكي قوله : " ان الحكومة القوية مطلوبة لمحاربة التمرد الذي ما زال قائما رغم ضعفه ، وان هناك خللا وتعارضا بين عمل هذه الهيئات المستقلة وبين عمل السلطة التنفيذية ، وقد سعت الحكومة الى حل هذه المشكلة من خلال القنوات القانونية ". رئيس الوزراء يعرف جيدا أن القنوات القانونية التي يقصدها هي نفسها التي أصدرت له بالذات قرارا باعادة فرز الأصوات في العاصمة أملا في حصوله على مقاعد اضافية ، ينافس فيها القائمة العراقية على الأحقية في تشكيل الحكومة الجديدة. وهي نفسها التي منحته حق الاندماج الشكلي مع قائمة التحالف الوطني لتشكيل ما سمته " القائمة البرلمانية الأكبر " التي منحتها الحق بتشكيل الحكومة.

إن هدف تحركات رئيس الوزراء واضحة جدا ، وهو الهيمنة على السلطة السياسية ، و الموارد المالية ، وقوة الردع العسكرية والأمنية والمخابراتية. واذا ما نجح رئيس الوزراء في وضع هيئة النزاهة في جيبه فلن يساءل وزيرا أو مديرا عاما عن سرقة أموال الدولة ، إذا ما كان مواليا لرئيس الوزراء ، أو من المحسوبين على حزبه ، كما جرى مع وزير التجارة فلاح السوداني ، عندما أخلي سبيله وأوقفت بحقه الاجراءات القانونية التي كانت ستضعه في السجن مدى الحياة. أما الانتخابات الحرة فستنتهي الى النتائج ذاتها التي فاز بها صدام حسين طوال حياته السياسية بالنسبة المعروفة سلفا 99.99 % من الأصوات. أما مفوضية حقوق الانسان فستكون الناطق الرسمي باسم مدراء السجون والمعتقلات السرية في البلاد. ليس ضروريا الذهاب بعيدا في الحسابات والتحليلات الاستراتيجية للتحقق من هذه المخاوف ، فلمحة سريعة الى السلطات التي كان يتمتع بها رئيس النظام السابق ، وحاليا رؤساء مصر واليمن وتونس والمملكة العربية السعودية وليبيا ، تكفي لدق ناقوس الخطر على مستقبل الديمقراطية في العراق الجديد.

علي ألأسدي
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق